سورة الشعراء - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


{كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (178) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184) قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185) وَمَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (187) قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (189) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (190) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (191)}
{كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيكة} الغيضة وهم قوم شعيب والليكة والأيكة لغتان قرئتا جميعاً {المرسلين}.
قال أبو زيد: بعث الله سبحانه شعيباً إلى قومه وأهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ} ولم يقل أخوهم شعيب لأنّه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب، فلمّا ذكر مدين قال: {أَخَاهُمْ شُعَيْباً} [الأعراف: 85] [هود: 84] [العنكبوت: 36] لأنه كان منهم.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ * وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} وإنّما دعوة هؤلاء الأنبياء كلّهم فيما حكى الله سبحانه عنهم على صيغة واحدة للإخبار بأنّ الحقّ الذي يدعون إليه واحد، وأنّهم متّفقون على الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة.
{أَوْفُواْ الكيل وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ المخسرين} الناقصين للكيل والوزن.
{وَزِنُواْ بالقسطاس المستقيم * وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ * واتقوا الذي خَلَقَكُمْ والجبلة} الخليقة {الأولين}. والجبلّ: الخلق، قال الشاعر:
والموت أعظم حادث *** مما يمرّ على الجبلّة
{قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ المسحرين * وَمَآ أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الكاذبين * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السمآء إِن كُنتَ مِنَ الصادقين * قَالَ ربي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} وهو مُجازيكم به وما عليَّ إلاّالدعوة.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة} وذلك أنّ الله سبحانه حبس عنهم الريح سبعة أيّام وسلّط عليهم الحرّ حتى أخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظلّ ولا ماء، وكانوا يدخلون الأسراب ليتبرّدوا فيها فإذا دخلوها وجدوها أشدّ حراً من الظاهر، فخرجوا هراباً إلى البرية فأظلّتهم سحابة وهي الظلّة، فوجدوا لها برداً ونسيماً فنادى بعضهم بعضاً حتى إذا اجتمعوا تحتها أمطرت عليهم ناراً فاحترقوا.
قال قتادة: بعث الله سبحانه شعيباً إلى أُمّتين: أصحاب الأيكة وأهل مدين، فأمّا أصحاب الأيكة فأُهلكوا بالظلّة وأمّا أهل مدين فأخذتهم الصيحة، صاح بهم جبرئيل صيحة فهلكوا جميعاً.
أخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا موسى بن محمد قال: حدّثنا الحسن بن علويه قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا المسيّب عن برد الجريري قال: سلّط الحرّ عليهم سبعة أيام ولياليهن، ثم رفع لهم جبل من بعيد، فأتاه رجل منهم فإذا تحته أنهار وعيون وماء بارد فتمكّن تحته وأخذ ما يكفيه ثم جاء إلى أهل بيته فآذنهم فجاؤوا فأخذوا ما يكفيهم وتمكّنوا، ثم آذن بقيّة الناس فاجتمعوا تحته كلّهم فلم يغادر منهم أحداً، فوقع ذلك الجبل عليهم فذلك قوله سبحانه {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظلة إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم}.


{وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (198) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (199) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (202) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (203) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209) وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220)}
{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين} يعني القرآن {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين} قرأ الحجازيّون وأبو عمر بتخفيف الزاي ورفع الحاء والنون يعنون جبرئيل عليه السلام بالقرآن، وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي نزّل الله جبرئيل عليه السلام، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم لقوله: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ} وهو مصدر نزّل، على قلبك يا محمد حتى وعيته.
{لِتَكُونَ مِنَ المنذرين * بِلِسَانٍ} يعني نزل بلسان {عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ * وَإِنَّهُ} يعني ذكر القرآن وخبره عن أكثر المفسرين وقال مقاتل: يعني ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته {لَفِي زُبُرِ} كتب {الأولين} وقرأ الأعمش زُبر بجزم الباء، وغيره بالرفع.
{أَوَ لَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً} قرأ ابن عامر تكن بالتاء {آيَةً} بالرفع، غيره تكن بالتاء آيةً بالنصب، ومعنى الآية أولم يكن لهؤلاء المنكرين دلالة وعلامة {أَن يَعْلَمَهُ} يعني محمداً {عُلَمَاءُ بني إِسْرَائِيلَ}.
عبد الله بن سلام وأصحابه قال ابن عباس: بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن هذا لزمانه وإنّا نجد في التوراة نعته وصفته وكان ذلك آية لهم على صدقه.
{وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} يعني القرآن {على بَعْضِ الأعجمين} هو جمع الأعجم، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان منسوباً إلى العرب، وتأنيثه عجماء، وجمعه عجم، ومنه قيل للبهائم عجم أنها لا تتكلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «العجماء جرحها جُبار» فإذا أردت أنه منسوب إلى العجم قلت: عجمي.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال: حدّثنا سهل بن علي قال: حدّثنا أبو عمر قال: حدّثنا شجاع بن أبي نصر عن عيسى بن عمر عن الحسن أنّه قرأ «ولو نزّلناه على بعض الأعجميين» مشدّدة بيائين، جعله نسبة ومعنى الآية: ولو نزّلناهُ على رجل ليس بعربي اللسان فقرأهُ عليهم بغير لغة العرب لما كانوا به مؤمنين، وقالوا: ما نفقه قولك نظيرهُ قوله سبحانه {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} [فصلت: 44]، وقيل معناه: ولو نزّلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتّباعه.
{كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} أي أدخلنا القرآن {فِي قُلُوبِ المجرمين} لتقوم الحجة عليهم، وقيل: يعني سلكنا الكفر في قلوب المجرمين {لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}.
قال الفرّاء: من شأن العرب إذا وضعت {لا} موضع (كي) في مثل هذا ربّما جزمت ما بعدها وربّما رفعت فتقول: ربطت الفرس لا ينفلت جزماً ورفعاً، وأوثقت العبد لا يأبق في الجزم على تأويل إن لم أربطه انفلت، وإن لم أُوثقه فرَّ، والرفع على أنّ الجازم غير ظاهر. أنشد بعض بني عقيل:
وحتى رأينا أحسن الود بيننا *** مساكنة لا يقرف الشر قارف
ينشد رفعاً وجزماً، ومن الجزم قول الراجز:
لطال ما حلأتماها لا ترد *** فخليّاها والسجال تبترد
{حتى يَرَوُاْ العذاب الأليم * فَيَأْتِيَهُم} قراءة العامة بالياء يعنون العذاب.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش قال: أخبرنا أبو العباس عبد الرَّحْمن بن محمد ابن حماد الطهراني قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن الفضل الحرمي قال: حدّثنا وهب بن عمرو النمري قال: أخبرنا هارون بن موسى العتكي قال: حدّثنا الحسام عن الحسن أنه قرأ {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً} بالتاء فقال له رجل: يا أبا سعيد إنما يأتيهم العذاب بغتة فانتهره الحسن وقال: إنّما هي الساعة.
{وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ * فَيَقُولُواْ هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ}.
قال مقاتل: فقال المشركون: يا محمد إلى متى توعدنا بالعذاب؟ فأنزل الله عزَّ وجل {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ * أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} في الدنيا ولم نهلكهم {ثُمَّ جَآءَهُم مَّا كَانُواْ يُوعَدُونَ} يعني العذاب {مَآ أغنى عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يُمَتَّعُونَ * وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ} رُسل ينذرونهم {ذكرى} أي ينذرونهم تذكرة محلّها نصب، وقيل رفع أي تلك ذكرى.
{وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} في تعذيبهم حيث قدّمنا الحجّة عليهم وأعذرنا إليهم.
{وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشياطين} بل نزل به الروح الامين، وقراءة العامّة الشياطين بالياء في جميع القرآن لأن نونه سنخية وهجاؤه واحد كالدهاقين والبساتين.
وقرأ الحسن البصري ومحمد بن السميدح اليماني: الشياطون بالواو.
وقال الفراء: غلط الشيخ يعني الحسن فقيل: ذلك النضر بن شميل فقيل: إن جاز أن يحتج بقول العجاج ورؤبة ودونهما فهلاّ جاز أن يحتج بقول الحسن وصاحبه؟ مع إنّا نعلم أنهما لم يقرآ ذلك إلاّوقد سمعا فيه.
وقال المؤرّخ: إن كان اشتقاق الشياطين من شاط يشيط كان لقراءتهما وجه.
وأخبرني عمر بن شبّه قال: سمعت أبا عبيد يقول: لم نعب على الحسن في قراءته إلاّ قوله: وما تنزّلت به الشياطون.
وبإسناده عن عمر بن شبّه قال: حدّثنا أبو حرب البابي من ولد باب قال: جاء أعرابي إلى يونس بن حبيب فقال: أتانا شاب من شبابكم هؤلاء فأتى بنا هذا الغدير فأجلسنا في ذات جناحين من الخشب فأدخلنا بساتين من وراءها بساتون.
قال يونس: ما أشبه هذا بقراءة الحسن.
{وَمَا يَنبَغِي لَهُمْ} أن ينزلوا القرآن {وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} ذلك {إِنَّهُمْ عَنِ السمع} أي استراق السمع من السماء {لَمَعْزُولُونَ} وبالشهب مرجومون {فَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ المعذبين * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين}.
أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال: حدّثنا الحسن بن علي بن شبيب المعمر قال: حدّثني عبّاد بن يعقوب قال: حدّثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن ميسرة عن أبي إسحاق عن البراء قال: لمّا نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، الرجل منهم يأكل المسنّة ويشرب العس، فأمر عليّاً برِجْل شاة فأدمها ثم قال: ادنُوا باسم الله فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة ثم قال لهم: اشربوا باسم الله، فشرب القوم حتى رووا فبدرهم أبو لهب فقال: هذا ما يسحركم به الرجل، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ فلم يتكلّم.
ثمَّ دعاهم من الغد على مثل ذلك من الطعام والشراب ثم أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي أنا النذير إليكم من الله سبحانه والبشير لما يجيء به أحد منكم، جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا، ومَن يواخيني ويؤازرني ويكون وليّي ووصيي بعدي، وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟» فسكت القوم، وأعاد ذلك ثلاثاً كلّ ذلك يسكت القوم، ويقول علي: أنا فقال: «أنت» فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أُمِّر عليك.
وأخبرنا عبد الله بن حامد الاصفهاني ومحمد بن عبد الله بن حمدون قالا: أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيّب وأبو سلمة بن عبد الرَّحْمن أنَّ أبا هريرة قال:قام النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} قال: «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا بني عبد مناف لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أُغني عنكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد لا أُغني عنكِ من الله شيئاً، يا صفيّة عمّة رسول الله لا أُغني عنك من الله شيئاً، فسلوني من مالي ما شئتم».
وأخبرني عبد الله بن حامد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدّثنا عبد الله بن هاشم قال: حدّثنا عبد الله قال: حدّثنا الأعمش عن عبد الله بن مرّة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا أنزل الله سبحانه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين} أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فصعد عليه ثم نادى يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء وبين رجل يبعث رسولا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر لو أخبرتكم أن خيلاً بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم قال: «فإني نذيركم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم، ما دعوتنا إلاّ لهذا، فأُنزلت {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1].
{واخفض جَنَاحَكَ} فليّن جانبك {لِمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ} من عبادة الأوثان ومعصية الرحمن.
{وَتَوكَّلْ} بالفاء أهل المدينة والشام وكذلك هو في مصاحفهم، وغيرهم بالواو أي وتوكل {عَلَى العزيز الرحيم} ليكفيك كيد أعدائك.
{الذي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} إلى صلاتك عن أكثر المفسّرين.
وقال مجاهد: الذي يراك أينما كنت {وَتَقَلُّبَكَ} ويرى تقلّبك في صلوتك في حال قيامك وقعودك وركوعك وسجودك.
قال عكرمة وعطيّة عن ابن عباس، وقال مجاهد: ويرى تقلّبك في المصلّين أي إبصارك منهم من هو خلفك كما تبصر من هو أمامك.
قال: وكان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن قال: حدّثنا السلمي وأحمد بن حفص وعبد الله الفرّاء وقطن قالوا: حدّثنا حفص قال: حدّثنا إبراهيم بن طهمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اتمّوا الركوع والسجود فوالله إنّي لأراكم من بعد ظهري إذا ركعتم وسجدتم».
وقال قتادة وابن زيد ومقاتل والكلبي: يعني وتصرّفك مع المصلّين في أركان الصلاة في الجماعة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، وهي رواية عطاء الخراساني عن ابن عباس.
وقال سعيد بن جبير: وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك تفعله، والساجدون في هذا القول: الأنبياء.
وقال الحسن: يعني وتصرّفك وذهابك ومجيئك في أصحابك والمؤمنين.
أخبرني أبو سهل عبد الملك بن محمد بن أحمد بن حبيب المقري قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن موسى، قال: حدّثنا زنجويه بن محمد، قال: حدّثنا علىّ بن سعيد النسوي أبو عاصم عن صهيب عن عكرمة عن ابن عباس {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: من نبي إلى نبيّ حتى أخرجك في هذه الأُمة.
وحدَّثنا أبو الحسن محمد بن علي بن سهل الماسرخسي الفقيه إملاءً قال: أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري بمكة قال: حدّثنا الحسن بن بشر قال: حدّثنا سعدان بن الوليد عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس في قوله سبحانه {وَتَقَلُّبَكَ فِي الساجدين} قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أُمّهُ.
{إِنَّهُ هُوَ السميع} لقراءتك {العليم} بعملك.


{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}
{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ على مَن تَنَزَّلُ الشياطين} ثمَّ بيَّن فقال: {تَنَزَّلُ على كُلِّ أَفَّاكٍ} كذّاب {أَثِيمٍ} فاجر، وهم الكهنة.
وقال مقاتل: مثل مسيلمة وطلحة.
{يُلْقُونَ السمع} يعني يستمعون من الملائكة مسترقين فيلقون إلى الكهنة.
{وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} لانّهم يخلطون به كذباً كثيراً، وهم الآن محجوبون والحمد لله ربّ العالمين.
{والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون}.
أخبرنا أبو زكريا يحيى بن إسماعيل الحربي قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن حمدون بن عمارة الأعمش قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن قهزاد المروزي قال: حدّثنا حاتم بن العلاء قال: أخبرنا عبد المؤمن عن بريده عن ابن عباس في هذه الآية {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال: هم الشياطين، يدل عليه قوله سبحانه وتعالى {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات: 32].
وقال الضحّاك: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدهما من الأنصار والآخر من قوم آخرين، ومع كل واحد منهم غواة من قومه وهم السفهاء، فنزلت هذه الآية وهي رواية عطيّة عن ابن عباس.
عكرمة عنه: الرواة.
علي بن أبي طلحة عنه: كفّار الجنّ والإنس.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة بن محمد وعبيد الله بن أحمد قالا: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: أخبرني جعفر بن محمد قال: حدّثنا حسين بن محمد بن علي قال: حدّثنا أبي عن عبد الله بن سعيد بن الحر عن أبي عبد الله {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} قال: هم الذين يشعرون قلوب الناس بالباطل، وأراد بهؤلاء شعراء الكفّار: عبد الله بن الزبعرى المخزومي، وهبيرة بن أبي وهب، ومسافع بن عبد مناف، وعمرو بن عبد الله أبا عزّة الجمحي، وأُميّة بن أبي الصلت كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتّبعهم الناس.
أخبرني الحسن بن محمد بن الحسين قال: حدّثنا عبيد الله بن محمد بن شنبة قال: حدّثنا محمد بن عمران بن هارون قال: حدّثنا علي بن سعيد النسوي قال: حدّثنا عبد السلام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن مكحول عن أبي إدريس عن غضيف أو أبي غضيف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن أحدث هجاءً في الإسلام فاقطعوا لسانه».
وأخبرني الحسين بن محمد قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السُني قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدّثنا إبراهيم بن عرعرة قال: حدّثنا عبد الرَّحْمن بن مهدي قال: حدّثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لمّا فتح النبي صلى الله عليه وسلم يعني مكة رنّ إبليس رنّةً فاجتمعت إليه ذريّته فقال: «آيسوا أن ترتد أُمة محمد على الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها يعني مكة الشعر والنوح».
{أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ} من أودية الكلام {يَهِيمُونَ} حائرين وعن طريق الحق والرشد جائرين.
قال الكسائي: الهائم الذاهب على وجهه.
أبو عبيد: الهائم المخالف للقصد.
قال ابن عباس في هذه الآية: في كل لغو يخوضون، مجاهد: في كل فن يفتنون، قتادة: يمدحون قوماً بباطل، ويشتمون قوماً بباطل.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ} ثمَّ استثنى شعراء المؤمنين: حسّان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وكعب بن زهير فقال عزَّ من قائل {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} يعني ردّوا على المشركين الذين هجوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد الكسائي قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدّثنا يحيى بن واضح عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي الحسن البراد قال: لما نزلت هذه الآية {والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون} جاء عبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وحسّان بن ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقالوا: يا رسول الله أنزل الله سبحانه هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء، فقال: «إقرؤوا ما بعدها {إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً} أنتم {وانتصروا} أنتم».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا القطيعي قال: حدّثنا ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري.
وأخبرنا ابن حمدون قال: أخبرنا ابن الشرقي قال: حدّثنا محمد بن يحيى قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدّثنا عبد الرَّحْمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنّه قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله سبحانه في الشعراء ما أنزل: يا رسول الله إنَّ الله سبحانه وتعالى قد أنزل في الشعراء ما قد علمت فكيف ترى فيه؟
فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عمر بن الخطاب قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل قال: حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال: حدّثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أنَّ عمر مرَّ بحسّان وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه فقال: قد كنت أُنشد فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة وقال: أُنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أجب عنّي، اللهم أيّده بروح القدس»؟ قال: اللّهم نعم.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا محمد بن علي بن سالم الهمداني قال: حدّثنا أحمد بن منيع قال: حدّثنا أبو معاوية قال: حدّثنا الشيباني عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسّان: «اهجُ المشركين فإنَّ جبرئيل معك».
{وَسَيَعْلَمْ الذين ظلموا} أشركوا {أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} أيّ مرجع يرجعون إليه بعد مماتهم.
وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عباس رضي الله عنه {أيّ منقلب ينفلتون} بالفاء والتاء ومعناهما واحد.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن شنبة قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا عبيد الله بن معاذ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا ابن عون عن إبراهيم قال: كان شريح يقول: سيعلم الظالمون حظّ من نقصُوا، إنّ الظالم ينتظر العقاب، وإنّ المظلوم ينتظر النصر.

1 | 2 | 3 | 4